خطوات العلاج:
أولاً: الوعظ والنصح والإرشاد
{فعظوهن}: "وهو التذكير بالله في الترغيب لما عنده من ثواب، والتخويف لما لديه من عقاب، إلى ما يتبع ذلك مما يُعرِّفها به من حُسن الأدب في إجمال العشرة، والوفاء بذمام الصحبة، والقيام بحقوق الطاعة للزوج، والاعتراف بالدرجة التي له عليها" (أحكام القرآن. ابن العربي،1/417).
"فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه، فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرّم عليها معصيته؛ لما له عليها من الفضل والإفضال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها".
وروى البخاري عن أبي هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح" ورواه مسلم، ولفظه: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" (تفسير القرآن الكريم. ابن كثير،1/537ـ538).
"هذا هو الإجراء الأول.. الموعظة.. وهذا هو أول واجبات القيِّم ورب الأسرة.. عمل تهذيبي.. مطلوب منه في كل حالة: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}.. ولكنه في هذه الحالة بالذات، يتجه اتجاهاً معيناً لهدف معين، هو علاج أعراض النشوز قبل أن تستفحل وتستعلن.
ولكن العظة قولاً تنفع؛ لأنَّ هناك هوى غالباً، أو انفعالاً جامحاً، أو استعلاء بجمال، أو بمال، أو بمركز عائلي.. أو بأي قيمة من القيم.. تنسى الزوجة أنَّها شريكة في مؤسسة، وليست نداً في صراع أو مجال افتخار!.. هنا يجيء الإجراء حركة استعلاء نفسية من الرجل على كل ما تدل به المرأة من جمال وجاذبية أو قيم أخرى، ترفع بها ذاتها عن ذاته، أو عن مكان الشريك في مؤسسة عليها قوامة" (في ظلال القرآن الكريم. سيد قطب، 2/653ـ654).
ثانياً: الهجر
{واهجروهن}: "فيهجرها الزوج في المضجع بأن لا يضاجعها ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود" (تيسير الكريم الرحمن. السعدي،2/29).
"..يمكن أن يظهر لها الزوج غضبه منها بهجرها في المضجع وإدارة ظهره لها أو مغادرة مخدعها والنوم خارجه، فلعلّ الفراق المؤقت بينهما يؤدي إلى إضرام الحنين في قلبيهما، وإثارة اشتياق كل منهما إلى الآخر، وعزمه على التضحية بآرائه ورغباته في سبيل المحافظة على الزوجية ومنع انفصام عروتها" (المرأة في القرآن الكريم. يحيى المعلمي، ص37).
"والمضجع موضع الإغراء والجاذبية، التي تبلغ فيها المرأة الناشز المتعالية قمة سلطانها، فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء، فقد أسقط من يد المرأة الناشز أمضى أسلحتها التي تعتز بها. وكانت ـ في الغالب ـ أميل إلى التراجع والملاينة، أمام هذا الصمودمن رجلها، وأمام بروز خاصية قوة الإرادة والشخصية فيه، في أحرج مواضعها!.. على أنَّ هناك أدباً معيناً في هذا الإجراء.. إجراء الهجر في المضاجع.. وهو ألا يكون هجراً ظاهراً في غير مكان خلوة الزوجين.. لا يكون هجراً أمام الأطفال، يورث نفوسهم شراً وفساداً.. ولا هجراً أمام الغرباء يذل الزوجة أو يستثير كرامتها، فتزداد نشوزاً، فالمقصود علاج النشوز لا إذلال الزوجة، ولا إفساد الأطفال!.. وكلا الهدفين يبدو أنه مقصود من هذا الإجراء..
ولكن هذه الخطوة قد لا تفلح كذلك.. فهل تترك المؤسسة تتحطَّم؟ إنَّ هناك إجراء ـ ولو أنه أعنف ـ ولكنه أهون وأصغر من تحطيم المؤسسة كلها بالنشوز" (في ظلال القرآن. سيد قطب، 2/654).
ثالثاً: الضرب
{واضربوهن}. وهناك آداب وضوابط لضرب النشوز:
الضابط الأول: الضرب غير المبرِّح
" .. ولكن الضرب هو القدر الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه. وليس له أن يضرب ضرباً يتوقع منه الهلاك، فإنَّ المقصود الصلاح لا غيره، فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان" (أحكام القرآن. الطبري،2/359).
"وفسَّر المحدثون الضرب غير المبرّح بأنَّه: ضرب غير شديد ولا شاق، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفاً، وبآلة خفيفة، كالسواك ونحوه".
عن سليمان بن عمرو الأحوص، عن أبيه، أنَّه شهد حجَّة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: "استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجعواضربوهن ضرباً غير مبرح" (ماذا وراء الباب؟ أم سفيان،ص
.
الضابط الثاني: عدم الضرب في الوجه
لحديث حكيم بن معاوية، عن أبيه أنَّ رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حق المرأة على الزوج؟ قال: أن يطعمها إذا طعم وأن يكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يُقبِّح، ولا يهجر إلا في البيت".
قال أبوداود: أن تقبح: تقول: قبحك الله..
ومن توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم للرجال، قوله: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد البعير ثمَّ يجامعها في آخر اليوم".
قال ابن حجر: "المجامعة والمضاجعة إنما تُستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة، والمجلود غالباً ينفر ممَّن جلده، فوقعت الإشارة إلى ذمّ ذلك، وأنَّه وإن كان ولا بد، فليكن التأديب بالضرب اليسير، بحيث لا يحصل معه النفور التام فلا يفرط في الضرب ولا يفرط في التأديب" (ماذا وراء الأبواب؟ أم سفيان، ص8ـ10).
"ذلك حين لا يستعلن النشوز، وإنما تتقى بوادره، فأمَّا إذا كان قد استعلن، فلا تتخذ تلك الإجراءات التي سلفت، إذ لا قيمة لها إذن ولا ثمرة، وإنَّما هي إذن صراع وحرب بين خصمين ليحطِّم أحدهما رأس الآخر! وهذا ليس المقصود، ولا المطلوب.. وكذلك إذا رأي أنَّ استخدام هذه الإجراءات قد لا يجدي، بل سيزيد الشقة بعداً، والنشوز استعلاناً، ويمزق بقية الخيوط التي لا تزال مربوطة. أو إذا أدى استخدام تلك الوسائل بالفعل إلى غير نتيجة.. في هذه الحالات كلها يشير المنهج الإسلامي الحكيم بإجراء أخير، لإنقاذ المؤسسة العظيمة من الانهيار، قبل أن ينفض يديه منها ويدعها تنهار..." (في ظلال القرآن. سيد قطب، 2/656).
رابعاً: التحكيم
{حكماً من أهله وحكماً من أهلها}: "أي رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين ويعرفان الجمع والتفريق".
وهذا مستفاد من لفظ "الحكم"؛ لأنه لا يصلح حكماً إلا من اتصف بتلك الصفات، فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثمَّ يلزمان كلا منهما ما يجب، فإن لم يستطع أحدهما ذلك منعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه، فإن وصلت الحال إلى أنَّه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله ورأيا أنَّ التفريق بينهما أصلح؛ فرَّقا بينهما. ولا يشترط رضا الزوج كما يدل عليه أنَّ الله سماهما الحكمين، والحكم يحكم وإن لم يرض المحكوم عليه" الكريم